التهريب و الارهاب عملتان لوجه واحد
افة عرفت انتعاشة قصوي منذ اندلاع ثورة 14 جانفي 2014 والهبت قفة المواطن التونسي و فتكت بالاقتصاد الوطني ككل ,و باتت بمثابة الركيزة الاساسية التي يبني عليها اقتصاد الفرد حسب اراء ممتهنيها, الذين اتخذوا من هذه المهنة سبيل لتحقيق غايات قد تكون في الظاهر نبيلة لبعض المتعاطفين مع سكان الحدود و الارياف الذين وجدوا ظالتهم في هذه المهنة لتحقيق ابسط مقومات العيش الكريم و مجارات نسق الحياة الذي اصبح من الصعب علي المواطن العادي (الزوالي) مجاراته.
اسباب بروز الظاهرة :
بداية عمليات التهريب كانت تدار علنا و امام اعين الجميع و لا تكلف المهرب اي عناء نظرا لتورط اصهار الرئيس السابق زين العابدين بن علي مع بارونات التهريب وكانت العمليات تجري على مرأى ومسمع السلطات التونسية التي كانت في الماضي تغض الطرف عن هذا النوع من التجارة الموازية لسببين اولا خوفا من اصهار الرئيس السابق و ثانيا لما توفره هذه التجارة من مواطن شغل كبير لمتساكني ارياف الحدود الذين كانوا بمثابة الالة التي تحركها مافيا التهريب و تستغلها لمأرب اخري.
اقتصرت عمليات التهريب في البداية علي الصرافة وبيع المعدات الغذائية كالمشروبات الغازية و الحليب ومشتقاته , ولكن سرعان ما تحولت الحدود التونسية الجزائرية و الليبية الي فضاءات للمبادلات التجارية بأتم معني الكلمة حيث اختلفت السلع و تنوعت و اصبح البنزين و المخدرات في صدارة اعمال المهربين بالإضافة الي القماش و اللباس و و مواد التجميل والتدخين لتتطور في لحظاتها الاخيرة الي عمليات تهريب الاسلحة من القطر الليبي خاصة بعد اندلاع الثورة التي اطاحت بالعقيد الراحل معمر القذافي و الفوضي العارمة التي شهدتها الساحة الليبية و انتشار الاسلحة في يد المتمردين و عامة الشعب مما سهل عمليات انتقال السلاح و تهريبه الي دول الجوار.
المناطق الساخنة للتهريب:
مربع الموت هو الفضاء الابرز للمهربين لتحقيق غايتهم ونعني بذلك جندوبة, الكاف القصرين, وتطاوين وتعود الاسباب الرئيسية لانتشار الظاهرة بهاتة المناطق بحكم القرب الجغرافي للحدود الليبية و الجزائرية اولا , و ثانيا للوضع المزرى ونقص التنمية و التشغيل الذي لم يترك أي مجال لهؤلاء الا الاتجاه الي دول الجوار لتأمين قوتهم اليومي و الاستمرار في العيش مثلهم مثل عامة الشعب .
سياسة بن علي الفاشلة بالتعاون مع اصهاره المورطين مباشرة سواء علي الحدود التونسية او بطريقة عادية من خلال ادخال السلع عبر الموانئ التجارية, كانت سببا مباشرا في تفشي الظاهرة التهريب و عدم قدرة الدولة علي احتواءها في لحظات معينة حتي باتت اليوم مشكل حقيقي ينخر اقتصاد البلاد و يهدد الامن القومي مباشرة بعد العمليات الارهابية التي جدت بالبلاد و اودت بحياة 30 من جنودنا و اعوان الامن البواسل .
تأثير التهريب علي الاقتصاد الوطني :
لا يمكن ان نتحدث علي هذه الظاهرة ونمر مرور الكرام علي مدي تأثيرها علي الاقتصاد الوطني, حيث كشف تقرير صادر عن البنك الدولي بداية سنة 2014 حول حجم التهريب بين تونس و الجزائر و ليبيا حيث تبين أن التهريب يمثل أكثر من نصف المعاملات التجارية للبلاد مع ليبيا، وأنّه من الصعب تقدير مستوى التجارة غير الرسمية مع الجزائر لأنها أكثر انتشارا وأكثر سرية.
وأنّه مع ذلك يمكن التقدير أن ما يقارب ٪25 من البنزين المستهلك في تونس هو في شكل واردات غير رسمية من الجزائر وليبيا وكشف التقرير أنّ تجارة الوقود وزيت الوقود هي الأكثر رواجا وتعتمدها أكثر من ٪60 من الشاحنات المشاركة في هذا النشاط وأن التهريب ينشط كثيرا في ميدان السجائر بين تونس والجزائر.
وقد بلغ إجماليّ حجم التهريب بين تونس ومختلف جيرانها ما قيمته 1,8 مليار دينار تونسي سنويّا وهو رقم هائل بالنظر إلى محدوديّة السوق التونسيّة والوضعيّة الاقتصاديّة الحاليّة ويعكس مدى تطوّر السوق الموازية في النسيج التجاريّ العامّ للبلاد.
تبعات التهريب ادت بالحكومة التونسية الي دق ناقوس الخطر حيث اعلن محافظ البنك التونسي السيد الشاذلي العياري ان البلاد لن تتمكن في القريب العاجل من دفع اجور موظفيها نظرا للحالة المزرية و المرضية التي تمر بها البلاد كما ابدي في ذات الوقت تخوفه من عدم قدرة الدولة علي الايفاء بديونها تجاه البنوك العالمية .
غياب المعالجة الامنية السليمة :
لا يمكن ان نضع كل الحمل علي الحكومات التي تعاقبت علي البلاد التونسية بعد الثورة لأن اصل المشكل موجود منذ عقود مضت و لكن تعاظم و استفحل خاصة في عهد الترويكا, ليس لتقصير في الحكومة انما لعجز الدولة علي استيعاب الوافد الجديد و هو الحرية التي فهمها الشعب التونسي بطريقة خاطئة و اصبحت المظاهرات و الاعتصامات و الاضرابات من كل حدب و صوب و هو ما شتت المنظومة الامنية, و بالتالي ترك المجال للمهربين للتمركز جيدا والمسك بزمام الامور علي مستوي الحدود و اصبحوا اليد في اليد مع الارهابين الذين يؤمنون لهم الطريق بمقابل مادي , واصبحت العلاقة حميمية بين الثنائي تجلت في ثنائية النفط مقابل الغذاء.
المعالجة الامنية في هذا المجال كانت غائبة نوعا ما نظرا لعدم خبرة عناصرنا الامنية في ادراة مثل هذه المواقف و السيطرة عليها ,اولا: لعدم توفر المعدات اللازمة لمراقبة الحدود و السهر علي تأمين امن البلاد وثانيا: لتورط كوادر امنية في تفاقم ظاهرة التهريب وهذا امر سبق و ان اشار اليه العديد من المحللين و النقاد .
التهريب و الارهاب خليط مرعب:
لا يختلف عاقلان في الورطة الكبيرة التي وقعت فيها البلاد التونسية نتيجة للتسيب الكبيرعلي الحدود و انتشار ظاهرة تهريب الاسلحة و المعدات العسكرية نتيجة لأثمانها البخسة في السوق السوداء الليبية حيث تباع الكلاشنكوف ب 250 دينار و القنبلة اليدوية ب 25 دينار بالإضافة الي العديد من انواع الاسلحة الأخرى مما سهل علي بعض المهربين الانتقال من تجارة البنزين الي تجارة الاسلحة التي تحقق لهم ارباحا اكثر بكثير مما يتحصلون عليه من التجارة الاخري .
وقد تم في الآونة الاخيرة اكتشاف اكبر مخبأ للأسلحة في منطقة وادي الربايع بولاية مدنين, حيث تم العثور على أكثر من 25 ألف رصاصة نوع 762 و6 آلاف رصاصة لسلاح فال وحوالي 28 قذيفة 'آر بي جي' و20 رمانة يدوية (grenade) و20 رمانة تستخدم لأطلاقها بالبنادق (grenade fusil) و30 لغما مضادا للدبابات.
كما لا ننسي انه وفقا لتقرير دولية تم اكتشاف ان البلاد التونسية هي اكبر دولة في العالم مصدرة للتطرف و الارهاب حيث يقاتل حوالي 4000 تونسي في صفوف الجهادين في سوريا و العراق بالإضافة الي ما يقارب 100 شخص متمركزين بجبال تونس و عدد هام متواجد في ليبيا و جنوب الجزائر.
لذلك من واجب الحكومة القادمة العمل اكثر علي توفير المعدات اللوجستية و الامنية لعناصرنا المرابطة علي الحدود لتأمين البلاد و العباد من الخطر الداهم الذي يهدد الامن العام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق